Índice

Presentación

Introducción al sufismo

La vida de Šayj Aḥmad al-Tiŷānī

Las condiciones de la Vía Tiŷāniyya

El método de la Vía Tiŷāniyya

Los favores de la Vía Tiŷāniyya

La Fayḍa Tiŷāniyya

Šayj Ibrāhīm Nyasse

Šayj cAbda-l·lāh Djā

Enseñanzas de la Vía Tiŷāniyya

Súplicas de la Vía Tiŷāniyya

Lengua árabe

Fiqh Mālikī

Noticias

Multimedia

Enlaces

Contactar

بغية المستفيد

لشرح منية المريد

 

تأليف

سيدي العربي بن السائح الشرقي العمري التجاني


مقدمة

تشتمل على سبعة مطالب مهمة


المطلب السابع

فِي بَيَانِ وَجْهِ تَسْمِيَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ السَنِيَّةِ بِالاحْمَدِيَّةِ، وَالمُحَمَّدِيَّةِ، وَالابْرَاهِمِيَّةِ الحَنِيفِيَّةِ


اعلم امدنا الله واياك بانوار اليقين، وسلك بنا وبك مسالك الذين يؤمنون بالغيب من عباده المتقين، ان لهذه الطريقة الشريفة بين الطرق مكانةً عالية، ومرتبة قصوى سامية، وذلك لما امتاز به اهلها من الانتماء الحقيقي الى امام حضرة الانبياء، وسلطان مملكة الاصفياء، اذ لا استاذ لها الا استاذ الاساتيذ كلهم بالاطباق، وامام الكل وممد الكل وسيد الكل بالاطلاق، صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه الكرام البررة السُّبَّاق.

ولما تضمنه هذا المطلب من التحقق بوجه هذا الانتماء الفاخر، والسبب في هذا الانتساب الاخص الباهر، جعلناه كالفص لخاتم هذه المقدمة، والخاتمة لمقاصدها المهمة، رجاء ان يختم الله لنا بالتحقق بهذه النسبة الشريفة، والالتحاق بدرجة هذه الاضافة السامية المنيفة. فنقول، متبرئين من القوة والحول، مستندين الى فضل من له المنة والطول.

اما تسميتها بالاحمدية[1] كما عليه اطلاقات جميع اصحاب الشيخرضي الله عنهم[2] فمن وجوه

اولها: وهو الظاهر المتبادر لكل احد، انما سميت بذلك نسبة الى اسم صاحبها، لان اسمه رضي الله عنه احمد، وهو امامها المتلقى لها من حضرة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم من دون وساطة شيخ اخر، فلا اشكال عليه في تسميتها بالاحمدية.

الوجه الثاني: انها انما سميت بذلك لكونها طريقة شكر كما تقدمت الاشارة اليه، فلكون القطب الذي عليه مدارها هو الحمد بالوجه الابلغ سميت احمدية وهو ظاهر.

الوجه الثالث: كون اذكارها الدائرة عليها مشتملةً كلِّها على ابلغ المحامد اما تصريحا او ضمنا. فمن ذلك ام القران، ولا شك انها مشتملة من اسرار المحامد على ما يقصر عنه اللسان. ومن ذلك سورة القدر ومحل ذلك منها عندهم قوله تعالى ﴿لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ الْفِ شَهْر﴾ ﴿سَلامٌ هِيَ حَتىَّ مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾ . ومن ذلك صلاة الفاتح لما اغلق، ولا شك انها متضمنة للاعتراف بانعام الله تعالى علينا بهذا النبي الفاتح الخاتم، الناصر الحق بالحق، الهادي الى الصراط المستقيم، المخصوص عند الله تعالى بالقدر العظيم، والمقدار المفخم الجسيم، عليه وعلى اله من الله افضل الصلاة وازكى التسليم. ومن ذلك جوهرة الكمال، ومَحَالُّ ذلك منها ظاهرة: منها البرق الاسطع بمزون الارباح المالئة الخ. وكذلك دعاء "يا من اظهر الجميل وستر القبيح" الخ. واما ما تضمنه دعاء السيفي من ذلك فمما لا يحتاج الى بيان. فلكون اذكارها المتداوَلَة بين اصحابها دائرةً على ابلغ الحمد صريحا او ضمنا سميت احمدية.

الوجه الرابع: كون صاحبها هو الخاتم الاكبر، المخصوص بوراثة السر الابهر، كما اشار اليه الشيخ محيي الدين رضي الله عنهم في حديث (كُنْتُ نَبِيًّا وَادَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ) بقوله: " اي كنت نبيا بالفعل، عالما بنبوتي، وادم بين الماء والطين". قال: "وغيره لم يكن نبيا بالفعل، ولا عالما بنبوته، الا عند بعثته". ثم قال: "وكذا خاتم الاولياء، كان وليا بالفعل، عالما بولايته في ذلك العالم، وغيره من الاولياء ما كان وليا بالفعل، ولا عالما بولايته، الا بعد تحصيله ما يُشْتَرط في الاتصاف بالولاية من الاخلاق التي يتوقف الاتصاف بالولاية عليها من كون الله تعالى تسمى بالولي الحميد" اه.

فعرف من هنا ان خاتم الاولياء قد سبق في حمد الله تعالى كل حامد من الاولياء، فما حمده احد من الاولياء مثل ما حمده خاتم الاولياء، فتحقق فيه ما لم يتحقق في غيره من الاتصاف بالحمد على جهة الابلغية، فصح اتصاف طريقه بالاحمدية.

وههنا وجوه اخر، اقتضى النظر فيها انها مما لا ينبغي ان يسطر، لان مدار الكلام فيها على تعقل معنى الحقيقة الكتمية، وذلك مما لا سبيل لنا الى الوقوف منه على جَِلِّيةِ القضية. على ان في هذه الوجوه التي ذكرناها غاية الكفاية للمريد الصادق، فيما يتمسك به مما يحرك همته الى التوجه لحضرة الخالق، والاقبال عليه سبحانه بمحو العلائق والعوائق، فيستعد لتلقي انوار المعارف والحقائق، وتنكشف له الاستار عن مخبات تلك اللطائف والدقائق. وحسبه ذلك مما تنتجه له مطالعتها، وتفيده اياه مراجعتها. وبالله التوفيق.

واما تسميتها بالمحمدية، (وقد قدمنا انها من اطلاقات سيدنا رضي الله عنه عليها)[3]، فهي متعددة ايضا.

اولها: كون الطريقة المحمدية بالوجه الذي تقرر في المطلب قبل هذا من جملة الطرق التي اشتملت عليها، وهي الطريقة الثالثة من الطرق الثلاث التي انتقاها صاحب كتاب [ميزاب الرحمة الربانية] من كتاب [جواهر المعاني]، وجعل مدار السلوك في هذه الطريقة عليها. وقد اجاد وافاد رحمه الله تعالى في بيان كيفية السلوك عليها، والتربية بها، فلينظر ذلك فيه. وقد تقدم ما للشيخ حسن العَجِيمِي في ذلك من: "ان صاحبها، بعد تصحيح بدايته، وسلوكه على منهج الاستقامة المبين في الكتاب والسنة، يشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الى ان تستولي محبته على قلبه، ويصير تمثاله بين عيني بصيرته، فيسبغ الله عليه نعمه ظاهرة وباطنة، ولا يجعل لمخلوق عليه منة الا النبي صلى الله عليه وسلم. فيراه يقظة ومناما، ويساله عما يريد".

كما تقدم ايضا قول الشيخ محمد الخَلْوَتي لمن ساله عن طريقه ولمن ينتسب: "لا انتسب لاحد". ثم ذكر عن نفسه انه "محافظ على استحضار صورته صلى الله عليه وسلم في باطنه، فاغناه ذلك عن التقيد بشيخ والاستمداد منه" اه.

وذكر الشيخ الشعراني في [الانوار القدسية] عن الشيخ احمد الزواوي انه كان يقول: "طريقنا ان نكثر من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حتى نصير من جلسائه، ونصحبه يقظة مثل اصحابه، ونساله عن امور ديننا وعن الاحاديث التي ضعفها الحفاظ عندنا، ونعمل بقوله فيها". اه الى غير ذلك من العبارات المشيرة الى كيفية السلوك على الطريقة المحمدية.

وحاصل ذلك كله: ان القطب الذي يدور عليه السلوك في الطريقة المحمدية عندنا هو الاكثار من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع كون الذاكر على احسن الحالات واكملها: باستحضار معاني الذكر، والانتصاب اليه بقدر الاستطاعة، وكذا استحضار صورته الكريمة صلى الله عليه وسلم في باطنه، واعتقاد انه جالس بين يديه يستمد منه. فان قدر على استحضار صورته صلى الله عليه وسلم الذاتية الواردة في الاحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم فذلك اكمل وابلغ، وان لم يقدر فليستحضر انه جالس بين يدي صورة نورانية، عليها ثياب من نور، في غاية ما يكون من الجلال والجمال، ونعوت الكمال. يداوم على ذلك حتى يُشْرِق في قلبه نور الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وتصير تنطبع الصورة الكريمة في ذهنه كلما تامل في ذلك وتفكر فيه. وهذه اضعف مراتب الانطباع. ثم ينتقل منه الى انطباع صورته الكريمة في عيني بصيرته في وقت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. ثم ينتقل منه الى انطباع الصورة الكريمة في عيني قلبه كلما سد عينه نوما او يقظة. ومن هذه الحالة ينتقل الى حالة رؤيته يقظة كفاحا. واهل هذه الحالة على قسمين: منهم من يرى في اليقظة روحه الشريفة متشكلة في صورته الشريفة. ومنهم من يرى حقيقة ذاته الشريفة وكانه معه في حياته صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء هم اهل المقام الاعلى في رؤيته صلى الله عليه وسلم.

هذا ملخص ما للمشايخ في تحقيق معنى الطريقة المحمدية بالوجه الخاص.

فالطرق وان كانت كلها محمدية بالوجه العام، فقد اختصت عنها هذه الطريقة بهذه المزية العظيمة، والخصوصية الجسيمة، التي من اجلها اختصت بحيازة هذه النسبة الشريفة، والحلية السنية والرتبة المنيفة.

 ثم اختصت طريقنا هذه الاحمدية، في هذه الطريقة المحمدية، بمزيد كرامة وتفضيل، وتخصيص لها من الملك الجليل، وذلك بكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالياقوتة الفريدة، وهي صلاة الفاتح لما اغلق، والخاتم لما سبق، التي لا ياتي الحصر على ما خصها الله تعالى به من المزايا الفاخرة، والاسرار الباهرة، والفضائل العديدة. وذلك كما اوضحه صاحب كتاب [ميزاب الرحمة الربانية]، لما اشتملت عليه مما لم يشتمل عليه غيرها من اسرار السير والسلوك في المقامات العرفانية.

قال: "فالتقرب الى الله تعالى بهذه الصلاة سير في مقامات الدين الثلاثة. اذ المقامات مشتملة على مواقف مُغْلَقَةِ الابواب، واولها باب المتاب، الى اخر ما بعده من الابواب. فالغلق شامل لجميعها اشتمال باب واحد، والفتح مطلوب في كلها لكل قائم وقاعد. والختم محتاج اليه في كافة عوارضها المعُادة، وان في الختم منعا للزيادة، وغلقا بين المريد وبين موانع جادة الافادة. وان في النصر لَعُدَّةً لما يكون من الاعداء المذهلة، والافات المعضلة، من الامال الخالبة، واللوائح الكاذبة. ولقد كان المريد للهداية عند تلاطم امواج بحار حقائق الاسرار، وللتوفيق لقطع مهامه تلك الاخطار، والاهتداء الى الحضرة ومالها من الانوار، في غاية الاحتياج والاضطرار. فكان الاليق بالمريد ان يتعلق بهذه الصلاة من بين كافة الصلوات على نبيه الكريم، اذ ما كل صلاة تفي بما تفي هي به في ظلمة ذلك الليل الالْيَل البَهِيم" اه.

وانظر الطريقة الثالثة له من هذا الكتاب تستفد مزيد بيان، وتقف من اسرار هذه الصلاة على ما لا يفي بشرحه التبيان. على ان ما اشتمل عليه بالنسبة لما لم يذكر، انما هو قل من كُثْر، ونقطة من بحر. وسنلم بالنزر من ذلك عند تعرض الناظم لذكرها، والاشارة الى شيء من مكنون سرها، ان شاء الله تعالى. وانما مرادنا الان ان نشير الى ما يؤذن ببعض ما امتازت به هذه الطريقة عن غيرها بالوجه الخاص، ثم بالوجه الاخص، لتعلم من ظهور ما لها من الخصوصية في ذلك والمزية، وجهَ تسميتها بالمحمدية.

الوجه الثاني: انه صلى الله عليه وسلم اضاف جميع الفقراء المتمسكين بهذا العهد، المواظبين على هذا الورد، الى سيادته السنية، ومكانته العلية، اضافة خاصة تؤذن بشرف منزلتهم، وشفوف رتبتهم عند الله تعالى. وذلك انه قال صلى الله عليه وسلم لسيدنا رضي الله عنه يقظة لامناما: "فقراؤك فقرائي، وتلامذك تلامذي" حسبما صح الاخبار به عنه رضي الله عنه من غير واحد من اعيان اصحابه. فكان كل من اخذ هذا الورد عن الشيخ رضي الله عنه او عمن عنده الاذن فيه حائز لهذه الاضافة الشريفة، والنسبة المنيفة، سواء كان ممن سلك على الطريقة الثالثة من طرق [الميزاب] او على غيرها من شعب هذه الطريقة الاحمدية، فوجب تخصيصها باسم المحمدية.

الوجه الثالث: انه صلى الله عليه وسلم هو الضامن لجميع ما بُشِّرَ به اهلُها من الشيخ رضي الله عنه عن اعظم الوسائل، من باهر الكرامات وسني الفضائل، كما انه صلى الله عليه وسلم هو القائم مقامه معهم لدى كل خطب هائل، كحضوره صلى الله عليه وسلم موت من مات منهم على تباعد اوطانهم، وتباين بلدانهم، واختلاف السنتهم والوانهم. وجدير لطريق امتاز اهلها بهذه المزية، ان تُخَصَّ بالتشريف بالاضافة المحمدية.

الوجه الرابع: ان لاهل هذه الطريقة علامة "يتميزون بها عن غيرهم، ويُعْرف بها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحبها بوجه خاص. وهي كما قاله حَوَارِيُّ هذه الطريق، المشهود له في معرفة اسرارها بالتبريز والتحقيق: "ان كل واحد من اهلها مكتوب بين عينيه بطابع النبي صلى الله عليه وسلم "محمد رسول الله" صلى الله عليه وسلم، وعلى قلبه مما يلي ظهره "محمد بن عبد الله"، وعلى راسه تاج من نور مكتوب فيه: "الطريقة التجانية، منشؤها الحقيقة المحمدية". اه كلامه فيما وقفنا عليه من بعض مؤلفاته.

 ويؤيده ما تواتر بين الاصحاب عن جماعة من ارباب الاحوال انهم صرحوا لبعض اهل هذه الطريق بانهم راوا طابع النبي صلى الله عليه وسلم بين عينيه. وقد راينا بعض الاصحاب اذا راى احدا من اهل هذه الطريق عرفه وقطع بانه من اهلها ولم يكن راه قبل ذلك. ولا يبعد ان يكون كشف له الغطاء عن هذا الطابع الازهر، والسر الابهر. ومعلوم ان مثل هذا انما يراه من كشف الله له عن بعض اسراره الغيبية ، وايده بانواره الوهبية . فلا مجال فيه للافكار، اذ لا نفاق لبضاعة العقل في هذا المضمار. وهو من جائز الكرامات التي يتحف الله بها من شاء من عباده المؤمنين الاخيار، ويختص بها من اراد من اوليائه المكرمين الابرار. فسلم تسلم.

 

فكن صادقا في حبهم ومصدّقا

 

 

باحوالهم واحذر مخالفة الشمس

 

الوجه الخامس: ان هذه الطريق اشبهت الملة المحمدية في كونها اخر الملل، وذلك لانها اخر الطرق، فلا ياتي احد بعدها بطريق جديدة، لان سائر الطرق تدخل في طريقة الشاذلي رضي الله عنه كما تقدم عن الشيخ رضي الله عنه الا هذه الطريقة الاحمدية، ولذلك سميت بالمحمدية.

الوجه السادس: ان هذه الطريقة تدخل على سائر الطرق فَتُبْطِلُهَا، وطابعها ينزل على كل طابع، ولا ينزل عليه طابع. كما ان شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كذلك يدخل على جميع الشرائع، ولا يدخل عليه غيره. فلما اشبهت الشريعةَ المحمدية من هذه الحيثية، قيل لها المحمدية.

الوجه السابع: ان من ترك وردا من اوراد المشايخ لاجل الدخول في هذه الطريقة المحمدية امَّنه الله في الدنيا والاخرة، ولا يخاف من شيء يصيبه لا من الله ورسوله ولا من شيخه ايا كان من الاحياء او من الاموات. وان من دخلها وتاخر عنها ودخل غيرها تحل المصائب به دنيا واخرى، كما ان شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك. فمن اجل هذه الخصوصية، قيل لها المحمدية.

الوجه الثامن: ان الطرق كلها في اخر الزمان تصير الى هذه الطريقة المحمدية، وذلك عندما تصير الطرق طريقا واحدا، والمذاهب مذهبا واحدا، على ما اخبر به اهل الكشف رضوان الله عليهم. فاشبهت ايضا الشريعة المحمدية من هذه الحيثية، فقيل لها المحمدية.

الوجه التاسع: انه صلى الله عليه وسلم يغار لاهلها غيرة خاصة، وانه يؤذيه ما يؤذيهم، حسبما اخبر به الشيخ رضي الله عنه. وسياتي بلفظه في محله من الكلام على ابيات النظم ان شاء الله تعالى. فمن اجل اختصاصهم بهذه الغيرة المصطفوية، صحت لهم النسبة المحمدية.

الوجه العاشر: ان هذا الشيخ الاكبر، لما كان هو الختم المحمدي الاشهر، الحائز لكل ما للاولياء من الكرامات الاختصاصية، كما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحائز لجميع ما للانبياء والرسل من الكمالات الالهية، سميت طريقه بالمحمدية.

الوجه الحادي عشر: ان الله تعالى بمحض فضله العميم، تفضل على اهل طريق هذا الشيخ العظيم، بان جعل سبحانه وتعالى نسبة تضعيف حسناتهم بالنسبة الى تضعيف حسنات غيرهم من اهل الطرق كنسبة تضعيف ثواب حسنات هذه الامة الى تضعيف ثواب حسنات غيرها من سائر الامم، وراثة محمدية حبيبية مصطفوية. ولهذا كان من اذكارها ما تكون المرة منه تعدل عبادة سائر العارفين، ومنها ما تكون المرة منه تعدل تسبيح العالم ثلاث مرات، الى غير ذلك مما يبهر العقول، ويعجز عن ادراك كنه حقيقته الفحول.

قال صاحب الرماح[4]: "ولا ينكر هذا الا من ينكر وجود الاذكار الجامعة واسرارها، ومن انكر ذلك سقط معه البحث لانه انكار لما جاء به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم" اه.

وفي هذا القدر الذي ذكرناه من وجوه تسمية هذه الطريقة بالمحمدية، كفاية في بساط التذكير ببعض ما اختصت به هذه الطريقة السنية، من اسرار هذه النسبة العلية.

واما تسميتها بالابراهيمية الحنيفية فمن وجوه:

الاول: انها لا تكون محمدية بالوجه الاخص، الا اذا كانت ابراهيمية حنيفية، كما يشير اليه قوله سبحانه ﴿قُلْ انَّنِي هَدَانِي رَبِّي الَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينا قَيِّمًا مِلَّةَ ابْرَاهِيمَ حَنِيفَا﴾.

الوجه الثاني: انها ناشئة عن الدائرة الفضلية التي منها اتخذ الله ابراهيم خليلا في الازل قبل ايجاده وايجاد الكون وما فيه ﴿وَلَقَدْ اتَيْنَا ابْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ الاية.

الوجه الثالث: انها طريقة شكر كما تقدم، وقد اثنى سبحانه على ابراهيم عليه السلام بقوله ﴿شَاكِرا لانْعُمِهِ﴾ الاية.

الوجه الرابع: ان الله تعالى جعلها بمحض فضله وكرمه مَعْلَمَ الخير في هذا الزمان الذي هو اخر الازمان، والبسها ملابس طاعته في السر والاعلان، فكانت امة وحدها قانتة لله تعالى حنيفية. وذلك من ملة ابراهيم، كما اشار اليه قوله سبحانه ﴿انَّ ابْرَاهِيمَ كَانَ امَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا﴾ الاية. قال الشيخ محيي الدين رضي الله عنه: " والامة: مَعْلَم الخير، والقانت: المطيع لله في السر والعلانية".

الوجه الخامس: ان من اركان هذه الطريق اسلامَ الوجهة الى الله تعالى الاسلام التام، والانقياد الى كل مامور به على الوجه الاكمل في شريعة الاسلام، وذلك من ملة ابراهيم عليه السلام ﴿اذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ اسْلِمْ، قَالَ اسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ﴾ الاية. "والاسلام: الانقياد الى الله تعالى عند كل دعاء يدعو اليه من غير توقف". قاله الشيخ محيي الدين. وانظر رسالة سيدنا رضي الله عنه المسماة بالشافية، وغيرها من رسائله ونصائحه الكافية، تزدد تحققا بما ذكرناه، وتعثر بحمد الله تعالى على المعنى الذي رمزناه.

الوجه السادس: ان هذه الطريق لما كانت طريقة اجتباء سهلةً لا حرج فيها ولا مشقة ولا ضيق، كانت ابراهيمية حنيفية اعتبارا بما اشار اليه قوله سبحانه وتعالى ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ ابِيكُمْ ابْرَاهِيمَ﴾ الاية.

 وقد تقدمت وصية سيد الوجود صلى الله عليه وسلم لسيدنا رضي الله عنه لما وقع له الفتح على يديه صلى الله عليه وسلم، واذن له في تربية الخلق على الاطلاق، بقوله: "الزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس". الخ انظر [جواهر المعاني].

الوجه السابع: ان من شان السالكين على هذه الطريقة ان يغلب على احوالهم كثرة الحلم والصبر على من يُؤذيهم ويُنَقِّصهم، وكثرة التاوه لما يشاهدون من جلال الله تعالى. فلا تجدهم يتميزون عن عامة المؤمنين بشيء مما يشير الى الكمال، ولا يدعون لانفسهم مع الله تعالى شيئا من المقامات والاحوال، بل ترى الغالب عليهم في كل حال، الانابةَ الى المولى المتكبر المتعال، المنفرد بالعزة والجلال، سبحانه وتعالى. وذلك من ملة ابراهيم عليه السلام ﴿انَّ ابْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ اوَّاهٌ مُنِيب﴾.

الوجه الثامن: ان من فضائل هذه الطريق، ان من دخلها واسلم قياده الى صاحبها بطريق المحبة الخالصة وكمال التصديق، كان من الامنين عند الله تعالى في الدنيا والاخرة، لقول سيد الوجود صلى الله عليه وسلم لسيدنا رضي الله عنه: "انت من الامنين، وكل من احبك من الامنين" الخ كلامه في [جواهر المعاني]. وقد تقدمت الاشارة لقول سيدنا رضي الله عنه: "من ترك وردا من اوراد المشائخ لاجل الدخول في طريقتنا هذه المحمدية امنَّه الله في الدنيا والاخرة" الخ كلامه، وسنورده بعد ان شاء الله تعالى بتمامه. وقد قال مولانا جل علاه في حق مقام ابراهيم عليه السلام ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ امِنا[5].

الوجه التاسع: ان سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام اسكن ذريته وعياله وادي الحَرَم بلا زاد ولا راحلة، فنادى مولاه سبحانه ودعاه باسم الرب رجاء لتربية ذريته وعياله واهله، وايوائهم الى جوار كرامته سبحانه وفضله، فقال فيما حكاه الله تعالى عنه في محكم وحيه، ﴿رَبَّنَا انِّي اسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمْ...﴾ الاية. فكانت في ذلك اشارة الى تربية ذريته وعياله بحقائق التوكل والرضى والتسليم. ونعمت التربية هذه. والبيت المحرم هو الذي يمنع ساكنه وقاصده من المساكنة والملاحظة والاستناد لغير الله تعالى. قاله صاحب [الرماح]، وهو على طريق اهل الاشارات كما لا يخفى.

وصاحب هذه الطريقة رضي الله عنه وارضاه اسكن ذريته وعياله الذين هم اهل طريقته عند بيت الله المحرم الذي لا يضيع من اوى اليه، ولا يخيب من عرَّج في قصده عليه، وهو سيد الوجود، وعلم الشهود صلى الله عليه وسلم، لانه صلى الله عليه وسلم هو استاذهم ومربيهم، والضامن لهم وكفيلهم ومتوليهم. وفي ذلك اشارة الى تربيتهم بقصر النظر في استمداداتهم واستناداتهم عليه، وصرف الوجهة في سائر تقلباتهم اليه. ونعمت التربية هذه، لانه صلى الله عليه وسلم هو باب الله الاعظم الذي من صُد عنه لا يجد بابا يدخل منه، والوسيلة العظمى التي من تخلف عنها لا يجد سببا يتعلق به. ورضي الله تعالى عن امام دار الهجرة سيدنا مالك بن انس في قوله للخليفة حين قال له: "ااستقبل القبلة وادعو، او استقبل القبر الشريف" واين تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة ابيك ادم عليه السلام"[6].

الوجه العاشر: ان مدار دلالة صاحب هذه الطريق رضي الله عنه على تعلق القلب بالله تعالى، وعلى ما يوصِّل الى ذلك. وكلامه في رسائله واجوبته واملااته طافح من ذلك بما يبهر العقول، ولا يصدر الا من اكابر الفحول.

ومن كلامه فيه ما نصه: "زبدة الاعمال الشرعية، وغاية ارتفاعها، هو التعلق بالله تعالى بلا انفصام ولا تزلزل ولو دَهمته دهمات الفتن الصعبة التي لا ينجو منها الا بانخلاع يده من الله تعالى والانفصام عنه. فهذا غاية العمل ومنتهاه" اه. وذكر رضي الله عنه لذلك امثلة تبينه فيمن قام به. فانظر ذلك في [جواهر المعاني] ان شئت.

ومن كلامه فيه ايضا قوله لبعض من اوصاه بعد كلام اوصاه به ما نصه: "والامر الذي لابد منه بعد هذا، وهو بداية جميع الامور ونهايتها، هو تعلق القلب بالله تعالى بالانحياش اليه، والرجوع اليه وترك ما سواه عموما وخصوصا... الخ كلامه. فانظره في رسائله. وسياتي في الكلام على ابيات النظم ان شاء الله تعالى.

ومن كلامه ايضا في ذلك، بعد تقرير ما يتعلق بهذه المسالة ما نصه: "فالواجب في حق السالك ان يمسي، ويصبح، ويظل، ويبيت، وليس له مراد الا شيئان:

الاول: الله تعالى اختيارا له من جميع الموجودات، واستغناء به عنها، وانَفَة من لحظها ولو لمحة، وغيرةً ان يختار سواه. وليكن الله عز وجل مبدا مراده ومنتهاه، واوله واخره، ومُفْتَتَحَه ومختتَمه، مستغرقا لقصر مراده عليه فيما بين ذلك كله، حتى لا تبقى عنده لمحة يريد فيها غيره، لان ارادة الغير اما طمع، او عبث كما تقدم.

والثاني: من مرادات السالك: ان يكون لله تعالى خالصا من رِقِّية غيره، كامل التعلق به سرا وروحا، وعقلا ونفسا وقلبا، حتى لا تكون منه ذرة متخلفة عن الله تعالى. ويكون واقفا مع مراده عز وجل، منسلخا عن جميع الارادات والاختيارات والتدبيرات والحظوظ والشهوات والاغراض، واقفا في ذلك كله لله بالله مع الله، لا شيء منه لنفسه ولا بنفسه ولا مع نفسه. وليكن ذلك عبودية لله تعالى من اجله، وارادة لوجهه، واداء لحق ربوبيته، لا ليعود عليه منه شيء، ولا يختار مع الله عز وجل شيئا، عبودية له تبارك وتعالى، لا قنوطا من خيره لانه كفر، وتحسين ظنه به لما هو عليه من كمال الصفات المحمودة" اه.

وهذا من ملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام، لان من كمال تعلقه بالله، وتمام اخلاص وجهته الى مولاه، وتبرئه من التعلق بما سواه، انه ادرِج في المِنْجَنِيق ليُرمي به في النار، فعرض له الامين جبريل عليه السلام، بعد ما اعرض عن ملَك الرياح وملَك الامطار، فقال له: "الك حاجة؟ فقال له: "اما اليك فلا واما الى الله فبلى!!"، فقال له الامين جبريل عليه السلام: "فسله اذن". فقال عليه الصلاة والسلام: "علمه بحالى، يغنيه عن سؤالي".

 "فمن اجل كون مدار الدلالة في هذه الطريقة المحمدية، على هذه الحالة الشريفة السنية، كانت ابراهيمية حنيفية".

ويذكر عن بعض اهل هذه الطريق انه راى في بعض وقائعه الخضر عليه السلام فقال له: "انا الخضر فهل من حاجة. "فقال له: "ان الله تعالى اغناني عنك وعن غيرك من الاولياء بشيخي ووسيلتي الى ربي سيدي احمد التجاني رضي الله عنه". فلاشك ان مشرب صاحب هذه الحال ابراهيمي، وفيه مع ذلك امتحان كبير لمن وقع له ذلك كما لا يخفى.

ووراء هذه الوجوه التي ذكرناها لهذه النسبة الجليلة القدر، والاضافة السنية الفخر، مالا يسعنا الان شرحه واستيفاؤه، ولا يمكننا في هذه العجالة بسطه واستقصاؤه، على ان هذا التقييد ليس موضوعا لذلك، كما ان مقيده ليس اهلا لخوض هاتيك المسالك.

وليكن هذا اخر ما قصدنا ايداعه في هذه المقدمة، واردنا ايراده من مطالبها المهمة[7].

تم تصحيح الاخطاء وهي على التصنيف التالي:

1  اخطاء السهو.

2  اخطاء الطبع.

3 اخطاء الاغفال.

4 اخطاء ساقطة من النسخة المعتمدة في الكتابة.

وتم الاعتماد في كل ذلك على مطبوع مطبعة محمد افندي مصطفى بتاريخ: رجب سنة 1304 ه / 1887 الذي صححه الفقيه المعطي بن محمد على نسخة اصلية.

تم التصحيح على نسخة جسوس / زاوية سيدي ابراهيم الرياحي‏


 

[1] ـ وفي نسخة جسوس: بزيادة " أما تسميتها بالمحمدية".

[2] ـ كذا في نسخة تصحيح الفقيه المعطي "ولا ندري هل سماها الشيخ بذلك أم لا",

[3] ـ ألغاها المصحح الفقيه المعطي (وقد قدمنا أنها من إطلاقات سيدنا رضي الله عنه عليها)

[4] ـ "قال بعض الخاصة ممن ألف في الطريق لا ينكر إلخ" على تصحيح الفقيه المعطي بن محمد.

[5] ـ قاصده وساكنه تصحيح المعطي بن محمد

[6] ـ قال صاحب الرماح وهذا من جملة الأسرار التي من أجلها منع أهل هذه الطريق من التطفل على أبواب الشيوخ ولا يعقل ذلك إلا العالمون من أهل التمكين والرسوخ جعلنا الله منهم بمحض الفضل والكرم آمين. تصحيح المعطي بن محمد.

[7] ـ "ما أردنا إيراده في هذه المقدة وقصدنا إيداعه مطالبها إلخ" تصحيح المعطي بن محمد رحمه الله

 

بغية المستفيد لشرح منية المريد

Centro de Estudio y Difusión de la Vía Tiŷāniyya