Índice

Presentación

Introducción al sufismo

La vida de Šayj Aḥmad al-Tiŷānī

Las condiciones de la Vía Tiŷāniyya

El método de la Vía Tiŷāniyya

Los favores de la Vía Tiŷāniyya

La Fayḍa Tiŷāniyya

Šayj Ibrāhīm Nyasse

Šayj cAbda-l·lāh Djā

Enseñanzas de la Vía Tiŷāniyya

Súplicas de la Vía Tiŷāniyya

Lengua árabe

Fiqh Mālikī

Noticias

Multimedia

Enlaces

Sobre nosotros

Contactar

بغية المستفيد

لشرح منية المريد

 

تأليف

سيدي العربي بن السائح الشرقي العمري التجاني


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله


يقول افقرالعبيد الى عفو مولاه الغني الحميد محمد العربي بن السائح الشرقي العمري عامله الله واخوانه ووالدي الجميع بمحض فضله في هذه الدار ودار الكرامة والمزيد:

وقد كان رحمه الله تعالى كتب اليَّ ايام اقامته بزاوية عين ماض – انار الله برهانها، وحاط باسرار العناية عمارها وقطانها – يخبرني بانشائه لهذه الخريدة العديمة المثال، وابرازه لهذه الفريدة العزيزة المنال. وذكر لي منها ابياتا تشير الى بيان موضوعها وجدواها على جهة الاجمال. ووعدني البعث بها الى بعد التنقيح والاكمال.

الحمد لله الذي جعل سلوك طريق اهل ولايته، منية المريد الصادق في ارادته، والتمسك بعهد الائمة الدالين على سبل طاعته، بغية المستفيد الباذل في مناصحة مولاه جهد استطاعته. نحمده سبحانه وتعالى ان اشرق في قلب المريد من انوار الاخلاص في بدايته، ما تهيا به لورود مقامات الاختصاص في نهايته. ونشكره جل وعلا ان يسر للسالك من اقامة الاوراد والوظائف في حال مجاهدته، ما هداه به سبل حضرة قربه ومشاهدته.

ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له المنفردُ في عظمة ملكه بعزة سناه وكبرياء جلالته المنَزَّهُ في علو سلطانه عن كل ما لا يليق بكمال قدسه وسُمُوِّ مجادته.

ونشهد ان سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله امام حضرة جبروته، الذي جعل مُبايعته عين مبايعته. ومظهرُ اسرار ملكه وملكوته، الذي ادرج طاعته في طاعته. صلى الله عليه وسلم وعلى اله الاطهار، المخصوصين من الشرف الاتم بغاية غايته. وعلى صحابته الابرار، المُتبَوَّئين بحسن صحبته. وكمال التبليغ عنه اعلى الدرجات من مقامات وراثته. صلاة وسلاما نندرج بسببهما في سلك من بُشّر من الله تعالى بالمحبة والغفران من اهل متابعته، وننال ببركتهما اكبر الرضوان في دار جزائه وكرامته.

اما بعد، فان اولى ما تنافس فيه الاكياس، واجلَّ ما انفقَت فيه بضائع الانفاس، وافضلَ ما صَرف اليه اللبيب عِنانَ اهتمامه، وجعله الاريب مَطْمَحَ عين قلبه في لياليه وايامه، سلوكُ طريق اهل الله الاولياء، والتمسكُ بعهد خاصته الاصفياء، ونقلُ الاقدام بالمستطاع من الاعمال على ءاثارهم، والاستضاءةُ في عموم الاوقات والاحوال بلوامع انوارهم، اذ بذلك يتحلى العبد بملابس العرفان، وبه يرتقى اعلى الدرجات من مقام الاحسان، وبه يتهيا لقبول الامدادات القدسية، ويستعد لتلقي واردات الانوار العلوية. وكيف لا وهم نواب الرسول صلى الله عليه وسلم القائمون عنه في الامة بكمال الرعاية وحسن السيرة، المخصوصون بتحقيق قدم المتابعة له في مقام الدعوة الى الله على بصيرة.

وان ممن احله الله تعالى من هذه المقامات اعالِيَ ذُراها، وحلاه من هذه الكرامات بواضح سناها، شيخَنا واستاذَنا العارفَ الرباني، والوارثَ المحققَ الفرداني، القطبَ الجامعَ الصمداني، ابا العباس مولانا احمدَ بنَ مولانا مَحمد التجاني، رضي الله عنه وارضاه، ومتعنا وسائر الاحبة برضاه.

فلقد صار رضي الله عنه في ذلك كله العَلَم المفرد بين الاكابر. واستحق النداء بالرفع في سائر الحضرات والمظاهر، وانتهت اليه دون العصابة رياسة هذا الشان، وخفقت عليه امام الجماعة الوية النصر في هذا الميدان. واظهر من كنوز الشريعة المطهرة ابريزها الخالص، وابرز من بحار الحقيقة خصائص الفرائد وفرائد الخصائص، وجاء في اساليب الدلالة على الله تعالى بما لم يسبق اليه، واتى في مسالك التربية والترقية بما لم يعرج احد عليه، لبلوغه رضي الله عنه اقصى درجات الكمال، في الجمع بين العلم والحال والهمة والمقال.

فاسِّسَتْ طريقتُه على تقوى من الله ورضوان، وشُيِّدَتْ من العلمين الظاهر والباطن على اقوم القواعد واقوى الاركان، وايّدَتْ من انوار الهداية، واسرار العناية، باوضح دليل وبرهان، فعم النفع بها في سائر الاقطار وشاسع الاصقاع والبلدان. واختصَّ وردُه المحمدي اللفظ والترتيب، الاحمدي السر والتركيب، بتحقيق السير في مقامات الدين الثلاثة وسائر منازلها على الاسلوب الغريب، والمنهج العجيب، كما يتبينه المنصف الذي كَحِلَت عينُه باثمد الانوار الايمانية، بالوقوف عليه مبسوطا في كتاب [ميزاب الرحمة الربانية]، ويتحققه السالك المحافظ على هذا العهد في السر والعلانية، من طريق الذوق التام بالمشاهدة العيانية.

فلا جرم ان الله تعالى احيَى به مراسم السنة بعد اندثارها، واوضح به معالم الطريقة بعد خفاء اثارها، واطلع به شمس الحقيقة بعد افولها واستتارها.

ولله در العلامة المحقق، شيخ مشايخ العلوم النقليات والعقليات، الْمُبَرَّزِ على اهل زمانه في تحقق الجزئيات منها والكليات، ابي زيد سيدي عبد الرحمن بن احمد الشِّنْجيطي المتوفى بفاس العليا في شوال سنة اربع وعشرين ومائتين والف، حيث قال، فيما نسجه في مدح سيدنا رضي الله عنه على ابدع منوال، واعجب مثال:

 

احيى طريقة اهل الله فهي به
شيخ المشايخ من في طي بردته
من داره جنة الفردوس وهو بها
يفيض من سلسبيل الذكر كوثرُها
اوراده عن رسول الله قد رويت
فانقل، فديتك، في اثاره قَدَما
واحرص بان تنتمي يوما لجانبه


 

 

مؤلف شملها والكسر مجبورُ
جيب على النور والاسرار مزرورُ
رضوان خازنها اذكارها الحورُ
فاشرب مُفَجَّرها فانت ماجورُ
كذاك افعاله والسر ماثورُ
فان فعلت فذاك النقل مدخورُ
فحظ من ينتمي اليه موفورُ


 

وقد كنت حين قادني رائد العناية الازلية، الذي ليس الا عليه المدار. وجذبني جاذب الدائرة الفضلية، التي هي من وراء دوائر العقول والافكار. فالهِمتُ من فضل الله تعالى الانتماءَ لجانب هذا الشيخ العظيم، والالتجاءَ الى حمى طريقته الشريفة وحزبه الكريم، بالقاء القياد له، وسلب الارادة اليه، على طريق الاستسلام والتحكيم، لقيت من اصحابه الذين اخذوا عنه علومه واسراره، واقتبسوا منه بحسن الصحبة وكمال المتابعة معارفه وانواره، ولازموه الى ان فارقوه وهو عنهم راض، جماعةً وافرة. فانتفعتُ بحمد الله على ايديهم بما ارجو عود بركته عليَّ وعلى اولادي وسائر الاحبة والاخوان في الدنيا والاخرة.

فتلقَّنْتُ ممن تاهل منهم للتلقين ورده المحمدي الشريف، واخذت عنهم عهده المصطفوي المنيف.

ورويت عنهم من طريق الاجازة العامة جميع ما اشتمل عليه كتاب [جواهر المعاني] من الاوراد والاذكار، وتلقيت منهم سماعا شرح الكثير من مسائله الجليلة القدر وفوائده العظيمة المقدار.

وذاكرتهم بطريق الاستفادة منهم، والاخذ عنهم، في كثير مما لم يشتمل عليه هذا الكتاب، مما يوجد زائدا على ما فيه بغيره من المؤلفات والتقاييد التي بايدي الاصحاب.

فاجتمع عندي، بحمد الله، من ذلك نبذة كافية، وجملة شافية، مما يحتاج اليه المسترشد المستفيد، ولا يستغني عن مراجعته المرشد المفيد.

فكنت كثيرا ما اهُمُّ باستحفاظي ذلك رسالة تشتمل عليه، ليعم النفع به لمن عسى ان يحتاج من الاخوان والاولاد اليه. فيصدني عن الخوض في تلك المسالك، علمي بانني بكل وجه وبكل اعتبار لست اهلا لذلك، ويردني عن اقتحام مضايق ذلك الامر الخطير، تحققي بما عليه نفسي الامارة وعقلي الحسير، من الاتصاف بغاية القصور والتقصير.

وبقيت اتردد في ذلك منذ اعوام مضين من عمري وازمان، الى ان اشتعل مني الفودان، وارتحل عني زمان الشبيبة وبان.

ثم نظرت فاذا هاتيك الشموس الواضحة الاشراق، والبدور الكوامل من تلك العصابة قد افلت من هذه الافاق. واقشعرت البلاد لفقد انوارهم اي اقشعرار، وصوَّح ونبتها اليانع بعد الاخضرار. واتخذ جل من خلفهم من الاتباع هذا الامر وراءهم ظهريا، حتى كاد ان يصير حديثه فيما بينهم نِسيا منسيا.

بيد اني رايت جماعة من خاصة الفضلاء، وافراد الاذكياء النبلاء، لا زالوا يُساءِلون عنه بغاية الجد والاجتهاد، وينقبون عن جُهَيْنَةَ خبره في سائر الاغوار والانجاد.

فعلمت انه لابد لكل مغفول عنه ان ينتبه اليه ويطلب، ولكل مرغوب عنه ان يرغب فيه ويخطب. فانبعث مني بسبب ذلك على جمع ما كنت اتردد في جمعه الباعث القويِّ، وانقدح في باطني من الاقدام عليه كل زَنْدٍ وَرِيَّ.

فبينا انا استخير الله في الشروع فيه المرة بعد المرة واستقدره، وافكر في اي قالب من القوالب التاليفية افرغه، وباي شكل من الاشكال التصنيفية اخطه واصوره، اذ ورد علينا في غفلة من موانع الحوادث وصوارف صروف الدهر، ورد الفرح ولا فَرَحَ الظمان فاجاه القطر، بعض المحبين، ممن جاور بالحرمين الشريفين عدة من السنين، بهذه المنظومة العظيمة القدر، الجليلة السناء والفخر، المسماة [منية المريد]، ليوافق اسمها مسماه بتوفيق الرب المجيد، التي هي من انشاء اخينا في الله سبحانه وصفينا، وحبيبنا الاخص وولينا، اعجوبة الدهر في كرم الاخلاق ولطف الشمائل، وغرة العصر الجامع لشتات الفواضل والفضائل، الفقيه الاديب، العلامة المشارك الالمعي الاريب، ابي العباس سيدي احمدَ المدعوِّ التِّجاني بن العلامة سيدي بابا الشنجيطي العلوي، على ما سيبين قريبا ان شاء الله تعالى عند التعرض للتعريف به، وتحقيق القول في اسمه ونسبه.

ثم بعدما احترمته رحمه الله تعالى المنية، حقق الله بفضله رجاءه في ذلك الوعد وتلك الامنية، (والاعمال بالنية)، فقيض الله من ياتي بها اليَّ بعد حصول الاكمال المعنوي لها بملامسة ترب خير البرية، صلى الله عليه وسلم

ولما سرَّحتُ في رياض كلماتها المُونِقة النظر، واجلت بين حياض معانيها الغدقة طرف الفكر، علمت علم يقين انها المنية التي كنت اتطلب، والبغية التي كنت منذ ازمان اترصد طالعها السعدي واترقب فقرت بها – ولله الحمد – مني كل عين، وعلمت ان الله تعالى كفاني ما كان اهمني من ذلك الامر الخطير دون مين.

غير ان بعض السادات الاجلاء، والسراة الاخلاء، ممن يتعين علي القيام بحقوقه الاكيدة، لما هو عليه من حسن المؤاخاة في الله تعالى والسيرة الحميدة، الح عليَّ مرات عديدة، في وضع تعليق عليها يكون كالتتمات والتكملات لكلماتها الجامعة المفيدة، والتحصيلات لجُملها النافعة واقوالها الراجحة السديدة. فحداني ذلك مع ما قصدته في اداء هذا الحق الاكيد، من التعرض لنفحات المولى الغني الحميد، والتكثير لسواد هذه العصابة، والاستجلاب للدعوات الصالحة المستجابة، والاكتساب للمودة الصادقة من كل اخ صالح ينظر في هذه العُجالة وهذه الصُّبابة، على ان لبَّيت بعد الاستخارة دعوته، واسعفت بعد الاعتصام بحول الله وقوته رغبته وطَلْبته، وشرعت فيما التمسه مني من التقييد على ابيات هذه القصيدة المباركة بقدر الاستطاعة، وان كنت في العلم والعمل والتقوى مزجي البضاعة. على اني اعترف كل الاعتراف بان ليس لي فيه الا اعمَال البراعة. وخدمت به الاعتاب الختمية، والحضرة الاحمدية الكتمية:

 

عسى عناية لطف الله تُلْحِقُنِي

 

 

بالسابقين فقد عُوِّقتُ من كسلي

 

ورجاءَ ان يَغْمُرني من امداداتها الوهبية، ويشملني من بركات اسرارها الغيبية، ما يكون سببا لتطهير سريرتي، وتنوير بصيرتي، وغفران ذنوبي، وستر عيوبي. وموجبا بمحض كرم الله تعالى لالحاقي بدرجة الخاصة العليا من اهل هذه الطريقة الاحمدية، فافوز من فضل الله تعالى بالحياة الابدية، والسعادة الدائمة السرمدية، والعيشَة الراضية الهنية. وسميته:

""بغية المستفيد، لشرح منية المريد""

ومن الله تعالى اسال التوفيق الجميل، والاعانة على الاتمام والتكميل، وهو حسبي ونعم الوكيل.

 واعلم ان جميع ما سيذكر ان شاء الله تعالى في هذا الكتاب، من كل ما يُسْنَد فيه من قول وعمل الى سيدنا قطب الاقطاب، رضي الله تعالى عنه وقدس اسراره العزيزة الطاهرة، وجعلنا بمحض فضله وكرمه في حماه دنيا واخرة:

 - اما ان يُنسب لمثْبِته له وراويه. وهذا لا اشكال في اصله ولا لبس يستره ويواريه.

 - واما ان يكسي حلة الاهمال والابهام، من غير قصد مني لغرض يقدَح في درجة صحته عند ذوي الافهام. وهذا لا اذكر منه الا ما بلغ حد التواتر او كاد، من كل ما يلتحق بدرجته عند الجهابذة النقاد.

 - وربما اذكر ماعدا ذلك مما ينحط الى درجة الشذوذ او يقاربها، لكنني احكيه باحدى الصيغ المتداولة في مثل ذلك كيُذْكر، ويقال، ونحو ذلك مما يدل على رتبته وينسابها.

 - نعم، متى اطلقت في الابهام. فعبرت بالبعض او بعضهم لا غير، فالمراد من لم يُدرك الشيخ رضي الله عنه من الاصحاب اهل العلم والفضل والخير. ومتى قيدت فيه فقلت: "من اصحاب سيدنا رضي الله عنه"، او نحوها مما يجري في الكلام، فالمراد من ادركه وعاصره من اعيان اصحابه الاعلام، رضي الله عنهم وارضاهم، وجعل الوجه الكريم متقَلبهم ومثواهم، ونفعنا في الدارين بمحبتهم، وحشرنا بمنه وكرمه في زمرتهم.

والناس باعتبار النظر في هذا التقييد، وبحسب الانتفاع به وعدمه، اربعة لا خامس لها دون تفنيد:

 - اما محب صادق وجده الحال قد دخل في الطريق، وتمسك في السر والعلانية بحبلها الوثيق، حتى خامر قلبه نور الايمان والتصديق، فانقدح له في باطنه من علوم الطريق، واسرارها بعض اذواق التحقيق. فحظ هذا من الانتفاع بمراجعته، ما يَفيض في قلبه عند مطالعته، من شواهد الوجدان الحالية، ودلائل واردات الانوار العرفانية. فيكون دليلُه على صحة ما ذكرناه له المشاهدةَ والعِيان، وما بعد العيان بيان.

 - واما محب ايضا قد اخذ بقسط من التصديق، لكنه لم يحظ بعدُ بالدخول في الطريق، والانخراط في سلك هذا الفريق. وهذا يرجى له ببركة ما معه من التسليم، ان يرقى بادنى مُماسَّة لمسائله الى درجة اهل الذوق السليم، فيلتحق عن قريب باول فريق، ويسقى من مختوم هذا الرحيق.

 - واما خال عن كلتا الحالتين، تتجاذبه ايدي القبضتين، وهذا يرجى له ايضا، ان ساعدته الاقدار الالهية، ووافقته المشيئة الربانية، فتحلى بحِلية الاشراف، واتصف باكمل الاوصاف، ونظر فيما اشتمل عليه بعين الانصاف، ان يُشْرِف على مدارك التحقيق اي اشراف، ويقف من عين الحق على ما يتخلى به ان شاء الله تعالى عن شُبه الاعتساف، وعند ذلك يميل الى الشوق ميلا ويخيم بحي ليلي، والله ولي التوفيق والهداية، ولا سبب في الحقيقة الا العناية.

 واما مبغض والعياذ بالله تعالى قد انهار به جُرُف هواه، في نار جهنمَ القطيعة وبئس مثواه، وهذا ليس ممن يُوَاجَه بهذا الخطاب، ولا ممن يرفع له عن وجوه مخدَّراته النقاب، لانه كما قاله الشيخ العارف بالله تعالى ابو سليمان سيدي داود الباخلي رضي الله عنه في شرحه لحزب البحر الذي سماه [اللطيفة المرضية، في شرح دعاء الشاذلية]: "لا ينفع فيه البيان، ولا ينجع فيما قام بقلبه من الاعراض عن الله تعالى واضح البرهان، لانه صرفه الهوى، عن اتباع سبيل الهدى".

 – ثم قال -اعني سيدي داود رضي الله عنه-: ومُوجب بغضه

 – اما لانه محب للدنيا، مشغول بها عن الله تعالى، فهو ابدا يعادي الاخرة واهلها بطبع نفسه، ويعادي من اجل ذلك اولياء الله تعالى عداوة باطنة زرعها الشيطان في قلبه.

– او مترشح بظاهر طريق، راى اثر النعمتين الظاهرة والباطنة، فثار من قلبه ثائر الحسد لما جبلت الطباع عليه من حسد من كان مماثلا او مشاركا في صفة كما قال سفيان بن عيينة: مكتوب في بعض الكتب: عدوك من عمل بعملك.

-   او منتسب الى الفقه، وقف مع الظاهر، وجَمَد عن النظر في ارواح المعاني ولباب العلوم، يسمع اسرار العلوم فلا يجدها تنطبق عليها قوالب الالفاظ ولا بعض الظواهر، بمقتضى حظه من الفهم، فينقبض عن قبولها.

 

 – او متصلح وقف مع صور ظواهر العبادات البدنية دون اسرارها وفقهها، ولم تفتح له ابواب المعارف، ولا عرف العلوم القلبية ولا اعمال القلوب، ولا ذاق شيئا منها. بل يظن ان الله تعالى لا يعبد الا بحركة الجسد واللسان فقط. فتراه اذا سمع العلوم الروحانية، والاعمال القلبية، والاسرار اللدنية، وقف قلبه وكَعَّ[1] عنها وقال: "لعل هذا غير دين الله عز وجل" وعادى من ظهرت على يديه.

ثم قال بعد كلام نقله عن الشيخ ابي الحسن، ليس من غرضنا الان نقله ما نصه: "فهؤلاء الطوائف يعز ايمانهم باهل الطريق ومحبتهم لهم. وقد ينص على ذلك مشايخ الطريق". اه. وقد نقله في [الجيش] عن الطرائف غير مَعْزُوٍّ للشيخ داود مع تصرف في بعضه، فانظره فيه ان شئت.

وقد حُبِّب الى ان اقدم بين يدي الشروع في الكلام على هذه المنظومة المفيدة الجامعة، مقدمة كافية في بابها ان شاء الله تعالى نافعة، وان ارتب الكلام فيها في سبعة مطالب تشتمل على ما لابد منه في طريق الارادة لكل سائل وطالب:

المطلب الاول: في بيان منشا علوم الطريق، وبعض ما اختص به اهلها من اسرار الاذواق والتحقيق.

المطلب الثاني: في بعض ما يشير الى حقيقة الادب على جهة الاجمال، وبيان منشاه ومكانته من طريق اهل الكمال.

المطلب الثالث: في الاشارة الى نبذة من اداب الحضرة العلية، وبيان ما اتصف به من ذلك اهل المراتب السنية.

المطلب الرابع: في بعض ما يختص بالمريد من اداب الصحبة والاخوة، وبيان ما يلزمه في ذلك من الوفاء وكمال الفتوة.

المطلب الخامس: في بيان فضيلة حسن الاستماع، وبعض ما يختص به من الاداب الموصلة بفضل الله تعالى الى طريق الفهم وكمال الانتفاع.

المطلب السادس: في بيان اختلاف اولياء الله تعالى في الطرائق والمذاهب، والاشارة الى ان منشا ذلك هو تباين الاذواق والمشارب.

المطلب السابع: في بيان وجه تسمية هذه الطريقة السنية، بالاحمدية والمحمدية والابراهيمية الحنيفية.

فاقول، ومن المولى العلي الاعلى الوهاب، استمد العون والهداية الى الصواب:


 

[1]- كعّ عن الأمر: إذا هابه وجبن عنه.

بغية المستفيد لشرح منية المريد

Centro de Estudio y Difusión de la Vía Tiŷāniyya